في عالم السياسة، هناك لحظات تتداخل فيها الجدية مع السخرية، وتتحول تغريدة في تويتر أو منشور في فيسبوك إلى ما يشبه المانيفستو الشعبي. هذا بالضبط ما حدث مؤخرًا في الجزائر، حيث تصدر هاشتاج "تبون لا تذهب إلى العراق" منصات التواصل، وتحول إلى موجة من التحليلات، المخاوف، والنكات السياسية.
القمة العربية القادمة في بغداد، والمقررة في منتصف مايو، كانت الشرارة. الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تلقى دعوة رسمية للحضور، لكن جزءًا من الشعب قرر أنه "لا يا عم تبون، هذه السفرة لا تصلح". والسبب؟ مخاوف عميقة الجذور تعود إلى التاريخ.
فمن جهة، لا تزال ذاكرة الرئيس الراحل هواري بومدين حاضرة. الرجل الذي عاد من العراق مريضًا ومات بعدها بطريقة غامضة. كثيرون يعتبرونها "حادثة تسميم" لم تُكشف خيوطها. ومن جهة أخرى، حادثة تفجير طائرة جزائرية في الثمانينات بصاروخ عراقي – حسب ما يُروى – زادت الطين بلة.
الهاشتاج بدأ كنوع من القلق الشعبي، لكن سرعان ما تحول إلى كوميديا سياسية سوداء. البعض كتب: "عم تبون، والله حتى السم ما ينفع معاك"، وآخرون قالوا: "إذا مشيت للعراق، رجوعك مش مضمون... يمكن تلقى المرادية ساكن فيها غيرك".
وفي خضم هذه النكتة، هناك من يرى أن القضية أعمق. الوضع الداخلي في الجزائر محتقن: احتقان في الجيش، توتر في تندوف، ضغوط خارجية، و"تآمر" مزعوم على البلاد. فهل من الحكمة أن يغادر تبون البلاد الآن؟ خصوصًا إذا لم يكن هناك "ضمانات فرنسية"، كما تقول الإشاعة الساخرة؟
الرأي الشعبي ليس دائمًا عقلانيًا، لكنه في هذا الهاشتاج قدم مزيجًا فريدًا من الذاكرة التاريخية، الخوف الشعبي، والتحليل السياسي المغلف بالسخرية. قد لا يأخذ تبون نصيحتهم على محمل الجد، لكنه حتمًا قرأ الرسالة: "نحن نراقب، ونخشى أن تُلدغ الجزائر من نفس الجحر مرتين".
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.